شبكة بلومبرغ: السعودية تتجه نحو أعمق اضطراب مالي لها منذ عقود
فبعد انهيار أسعار النفط، وإجراءات الإغلاق للحد من انتشار فيروس كورونا،أعلنت الحكومة السعودية الاثنين، على لسان وزير المالية محمد الجدعان، عن زيادة ضريبة القيمة المضافة وخفض الإنفاق الحكومي في إطار حزمة من الإجراءات التقشفية الجديدة.
وبينما تقول الحكومة إن النفقات الإجمالية ستبقى متماشية بشكل عام مع تريليون ريال (266 مليار دولار) المحددة في ميزانية 2020، فإن القرار بزيادة ضريبة القيمة المضافة لثلاثة أضعاف، وخفض مخصصات الموظفين الحكوميين سيضر بالاستهلاك وبالقطاع الخاص الذي يعد مفتاحًا لرؤية الأمير محمد بن سلمان لتنويع الاقتصاد بعيداً عن النفط.
وفي حين أن رفع ضريبة القيمة المضافة من شأنه أن يساعد على كبح جماح عجز الموازنة الآخذ في الاتساع، إلا أنه سيجعل السعودية أقل قدرة على المنافسة مقارنة بدول الخليج الأخرى فيما يتعلق بجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية.
يقول "جيمس ريف" كبير الاقتصاديين بمجموعة سامبا المالية واصفا القرارات الأخيرة بالسعودية "هذه إجراءات جذرية تؤكد خطورة التحديات التي تواجه المملكة، كما أنها تبعث برسالة إلى الأسواق مفادها أن السلطات مستعدة لاتخاذ خيارات صعبة لإبقاء العجز ضمن الحدود، لكن الجانب السلبي لها هو أن أنها تمثل ضربة أخرى لقطاع التجزئة الذي يعاني من الأصل".
هذا التحول الجذري الذي أعلنه وزير المالية السعودي الاثنين أجبر المحللون على خفض توقعاتهم الخاصة بنمو أكبر اقتصاد في العالم العربي للمرة الثانية في غضون أسابيع قليلة فقط، حيث خفض "ريف" من مؤسسة سامبا من توقعاته لعام 2020 وخفض النمو بنسبة 3.7 في المئة، بينما يعتقد "جياس غوكنت" من شركة "جي بي مورغان تشيس" الآن أن توقعه للانكماش العام بنسبة 3 في المئة متفائل للغاية. وعدّل بلال خان من مؤسسة "ستاندرد تشارترد" تقديراته بانخفاض النمو بنسبة 5 في المئة.
تعرضت السعودية لضربات مالية موجعة بسبب هبوط أسعار النفط الخام بأكثر من 50 في المئة هذا العام، والذي لا يزال يشكل غالبية الإيرادات الحكومية، بعد أربع سنوات من محاولات الأمير محمد بن سلمان لإصلاح الاقتصاد. كما تزامن هذا الهبوط مع حظر تجوال صارم لاحتواء فيروس كورونا، مما ينذر بأعمق اضطراب مالي يضرب المملكة منذ عقود.
وانخفضت الاحتياطيات الأجنبية السعودية، وهي مفتاح حماية ربط الريال بالدولار، بمبلغ قياسي بلغ 27 مليار دولار في مارس/ آذار الماضي، عندما سارعت المملكة العربية السعودية بمواجهة تراجع أسعار النفط من خلال الدخول في حرب أسعار مع روسيا.
وفي ظل عدم الرغبة في تخفيض قيمة العملة، والضغط لاحتواء العجز الذي يتوقعه صندوق النقد الدولي بأن يصل إلى حوالي 13 في المئة من الناتج هذا العام، يبقى للمملكة خيارات محدودة. فالحكومة جمعت بالفعل حوالي 20 مليار دولار من أسواق الديون الدولية والمحلية منذ نهاية عام 2019.
وقال الجدعان إن الحكومة لا تنوي اقتراض أكثر من 220 مليار ريال كانت قد أعلنتها سابقًا لعام 2020، مشيرًا إلى أن تركيزها سيكون على احتواء فجوة الميزانية، وقال "نريد أن نتأكد من أننا نحافظ على قوتنا المالية حتى نتمكن من دعم الاقتصاد مع خروجه من حالة الإغلاق ".
وفي منطقة ركزت معظم صناعتها غير النفطية على قاعدة انخفاض الضرائب والعمالة الأجنبية الرخيصة، سيكون التحدي الذي تواجهه المملكة العربية السعودية هو البقاء في حلبة المنافسة مع الدول المجاورة التي لا زالت الضرائب منخفضة لديها. كما أن بعض هذه الدول، مثل الإمارات العربية المتحدة وقطر، لديها بنية تحتية أفضل، وتعطيان للمغتربين مزيدا من الحريات الاجتماعية.
يقول "جون سفاكياناكيس"، مدير البحوث الاقتصادية في مركز الخليج للأبحاث: "تستغل الحكومة هذه الأزمة لفرض تخفيضات ضرورية على أجور القطاع العام، وسيكون هذا إيجابيًا على المدى الطويل، لكن رفع ضريبة القيمة المضافة سيؤثر على الاستهلاك ويضر بالقدرة التنافسية".
مقامرة الأمير
لكن الأمر ينطوي كذلك على مقامرة سياسية للأمير محمد بن سلمان، الذي عكس مساره بعد محاولاته السابقة لخفض الأجور العامة بعد تذمر المواطنين. فلطالما استخدمت المملكة ثروتها النفطية للحفاظ على منافع الدولة السخية، مثل أسعار الوقود المدعومة وتقديم المنح الدراسية للمواطنين.
ومن المرجح أن تراقب الحكومة ردود الفعل في الداخل السعودي من كثب، وقد تغير المسار في حالة وجود سخط واسع. فخلال آخر هبوط لأسعار النفط بين عامي 2014 و2016، تم إلغاء أو تخفيف العديد من تدابير التقشف بعد حدوث رد فعل عنيف من قبل السعوديين.
وفي عام 2017، وبعد سبعة أشهر من قيام الحكومة بوقف عدد كبير من البدلات للعاملين في القطاع العام، أعادتها مرة أخرى. وبينما قال المسؤولون آنذاك إن ذلك يرجع إلى تحسن الوضع المالي للحكومة، تم الإعلان عن قرار إعادة البدلات فور ظهور دعوات للاحتجاجات على وسائل التواصل الاجتماعي.
يقول "راتشنا أوبال"، كبير المحللين بشركة الاستشارات السياسية "كاستيلاريغ أسوشيتس": "رغم عدم شعبية القرارات الجديدة، ستحرص الحكومة على التأكيد للسكان أن هذه الإجراءات ضرورية من أجل نموذج اقتصادي أكثر استدامة. إن هذه التدابير بعيدة المدى، وستضرب السعوديين في وقت يكافح فيه العديد من الشركات بالفعل وسط نشاط اقتصادي مقيّد بشدة".
القرارات ملائمة بنسبة 100 بالمئة
واليوم، وحتى إذا اشتكى المواطنون فيما بينهم من تأثير القرارات على دخولهم، فإن احتمال قيامهم بذلك علنًا قليل للغاية، ويرجع ذلك بشكل جزئي إلى ارتفاع مستويات القومية، وأيضا بسبب مناخ الخوف الذي نشأ مع خنق الحكومة لأي معارضة الداخلية.
وكتب المستشار الاقتصادي السعودي أحمد الشهري على تويتر أمس الاثنين، إذا كان الاقتصاد "يحتاج إلى جزء من أموالنا"، فيجب على المواطنين تقديمه دون تردد.، فكل الإجراءات التي يتم اتخاذها الآن مناسبة اقتصاديًا بنسبة 100 بالمئة.
رسالتي للمتشائمين وغير المختصين في الاقتصاد :
— 📊 أحمد الشهري | اقتصاد (@AhmedAllshehri) May 11, 2020
العالم يعيش أسواء أزمة منذ ١٩٢٩م اقتصاديا ، والله لو طلب اقتصادنا جزء من أموالنا هبة لما تأخرنا، قليل من التبصر، وكل الامور التي تعمل حاليا ملائمة اقتصاديا ١٠٠٪ كسياسات اقتصادية.
وبعد إضاعة شهري مارس/آذار وأبريل/نيسان في ضخ المزيد من النفط، عكست السعودية الآن مسارها. وأعلنت أمس الاثنين عن تخفيض قدره مليون برميل يوميا خلال يونيو/حزيران المقبل، مما يعني إجمالي تخفيضات الإنتاج من أبريل/نيسان إلى 4.8 مليون برميل. وارتفعت أسعار النفط الخام بسبب الأخبار قبل أن تُقلص المكاسب.
وقبل خمس سنوات فقط، كانت الضرائب أمرًا غير متوقع تمامًا في المملكة العربية السعودية. غير أن اضطراب أسعار النفط في عام 2014 دفع الأمير محمد بن سلمان إلى تغيير النموذج الاقتصادي عندما وصل إلى السلطة.
وبموجب "رؤية 2030"، قامت الحكومة بخفض دعم الطاقة، وإضافة ضرائب ورسوم جديدة، ودعت القطاع الخاص إلى أخذ زمام المبادرة في تطوير البلاد.
يقول "طارق فضل الله" من مؤسسة "نومورا" الاقتصادية "هناك دائمًا فترة ينبغي فيها الشعور بالألم، من المؤكد أن شكاوى المواطنين ستظهر، ولكن يبدو أن الحكومة تدرك أنها تستطيع تجاوزها".