كيف يفسّر علم النفس زواج الرئيس الفرنسي ماكرون من معلّمته ؟!
كان إيمانويل ماكرون في عمر الخامسة عشرة عندما بدأ يتلقَّى دروس المسرح في أميان عام 1993، المدينة التي تقع في شمال فرنسا، ولم يتوقَّع أنه سوف يُغرم بمُدرِّسة المسرح التي كانت أكبر منه بـ24 عامًا، وكان لها ثلاثة أولاد في ذلك الوقت من زوجها.
وعندما أصبح ماكرون في سن السابعة عشرة، وكان في الصف الثاني الثانوي، قرَّر أن يُواجه بريجيت بحُبِّه لها، فقال لها نصًّا: “مهما فعلت، فسوف أتزوَّجك”.
وقالت بريجيت في فيلم وثائقي تم تسجيله حديثًا عن ماكرون: “لم يكن كسائر الشباب، لم يكن فتى”، فما أعجبها في ماكرون أنه كان شديد الذكاء، وأضافت: “شيئًا فشيئًا، هزم مُقاومتي”.
حاولت بريجيت أن تُنهي تلك العلاقة قبل بدايتها، لذلك أرسلت ماكرون وعائلته إلى باريس، وعلى الرغم من ذلك فلقد حقَّق مسيرة ناجحة في دراسته.
ولم يتخلَّ إيمانويل عن حُبِّه، فلقد قال في كتابه ثورة ريفولوسيون: “كان يتملَّكني هاجس، فكرة ثابتة: أن أحيا الحياة التي اخترتُ مع المرأة التي أحببتُ، وأن أبذل كل ما بوسعي لتحقيق ذلك”.
أخيرًا، وفي عام 2007، وخصوصًا في شهر أكتوبر، نجح ماكرون في أن يتزوَّج بالمرأة التي صمَّم قلبه على الفوز بها، وكانت بريجيت وقتها تبلغ من العُمر 54 عامًا، بينما كان ماكرون في عمر الـ29
مدح شجاعتها قائلًا: “كان ذلك التكريس الرسمي لحبٍّ بدأ سرًّا، وغالبًا ما كان خفيًّا، غير مفهوم من كثيرين، قبل أن يفرض نفسه على الجميع”.
“كان لها ثلاثة أولاد وزوج. كُنتُ تلميذًًا، لا غير، لم تُحبَّني من أجل ما كنت أملك، من أجل وضع اجتماعي، من أجل الرَّفاه أو الأمان الذي كُنتُ أُقدِّمه لها، بل تخلَّت عن كل ذلك من أجلي”.
كان زواج ماكرون مُختلفًا
لقد قام ديفيت بوس في دراسة كلاسيكية أجراها عن التَّزاوج البشري عام 1989م، بتحليل 37 ثقافة مختلفة من ستِّ قارَّات، وكشفت هذه الدراسة عن حب الرجال للزَّواج بالنساء صاحبات السِّنِّ الصغيرة، بفارق سنتين ونصف السنة بينهما، بينما تحب النساء الزواج من الرجال أصحاب السِّنِّ الكبيرة، بفارق ثلاث سنوات ونصف السنة بينهما، وعند النظر إلى أعمار المُتزوِّجين في الـ37 ثقافة، وجد بوس أن الرجال يتزوَّجون بالنساء الأصغر منهم في العُمر.
ولقد تمَّ إجراء دراسة أخرى عام 1993 على 1000 شخص، لتكشف هذه الدراسة عن سعي النساء وراء الرجال أصحاب السِّنِّ الكبيرة، في حين أن الرجال يسعون وراء النساء ذوات السِّنِّ الصغيرة. ولا فرق بين هذه الدراسة ودراسة أخرى أُجريت عام 1994 على مجموعة من الأمريكيين أعمارهم أقل من الـ35، حيث كشفت تلك الدراسة عن حب النساء للزواج برجال يفوقونهنَّ بـ5 أعوام في العُمر، بينما يُفضِّل الرجال الزواج بنساء يصغرنهم بـ5 أعوام في العُمر.
وفي عام 2001، تمَّ إجراء دراسة أخرى على مجموعة من الهولنديين رجالًا ونساءً، والذين تتراوح أعمارهم بين 20 و60 عامًا، ووُجِّهت لهم مجموعة من الأسئلة حول قُدرتهم الجنسية، بداية من الخيال الجنسي، وصولًا للزواج، كما تبيَّن من الدراسة أن الرجال يُحبُّون النساء الأصغر منهم في السِّنِّ.
فجدالنا الآن يتعلَّق بفارق العُمر بين دونالد ترامب وزوجته ميلانيا ترامب، حيث يكبرها بـ23 عامًا و10 أشهر، ليكون ذلك الفارق قريبًا من الفارق العُمري بين ماكرون وزوجته بريجيت، وهو 24 عامًا و8 أشهر، ولكن لم تتعرَّض ميلانيا لأي مشاكل أو انتقادات لتُصبح سيدة أمريكا الأولى، على عكس ما تعرَّضت له بريجيت لتكون سيدة فرنسا الجديدة، وبالطبع نستطيع أن نفهم السبب.
ماكرون وبريجيت واجهوا المصاعب في حُبِّهم، ورئيس من دون مذاق
لقد كان فوز ماكرون بمنصب الرئيس مانعًا لقادة إيطاليا وفرنسا وألمانيا من امتلاك أطفال بيولوجيين، وقوله إنه ليس في حاجة ليكون لديه أطفال لكي يهتم بالأمور الإنسانية كان شيئًا رائعًا، فلقد كان ماكرون مُفتخرًا بالأسرة التي كوَّنها بعد المصاعب التي واجهها هو وزوجته، مما يدلُّ على تقدمه الذهني غير المسبوق لأحد.
وفي البرنامج الانتخابي لماكرون ركَّز كثيرًا على اختلاف أشكال الأسر، فقد يكون الأزواج مدنيين، أو أزواج مُغايرين، أو أزواج غير رسميين نتيجة انفصال الزوج عن الزوجة، والأسر ذات العائل الوحيد، والأسر المخلوطة، والأسر التي يكون فيها الزوج والزوجة من جنس واحد، كما وعد جميع الأسر بحصولهم على حقوقهم كاملة دون تمييز أسرة عن غيرها.
ومع بداية مُمارسة لمهام منصبه الرئاسي كان ماكرون يستقبل عديدًا من الانتقادات فيما يتعلَّق بوضعه الاجتماعي وأسرته، ورد ماكرون على تلك الانتقادات في فبراير الماضي أمام جمهور يتكوَّن من 30 ألفًا من مُناصريه، قائلًا:
“إذا قيل إنَّني أعيش حياةً مزدوجة، لكنني ما زلتُ أشعر بخوفٍ كبير على مُستقبل الأسرة ببلدنا. هل سأكون عدوًّا للأسرة لأن وضعي مُختلف؟ لقد قيل لي إنِّه ليس لديَّ حقٌ في الحديث عن المُستقبل؛ لأنه لا أطفال لي؛ ولكن أنا لديَّ أطفال وأحفاد يعسكرون بقلبي، إنها عائلتي، إنها عائلة لا تُقهر، إنها عائلة لا تدين لي بشيء”.
وكان ذلك النقاش مُدارًا من قبل لوبان ضد إيمانويل، ولقد استمر لمدة 20 دقيقة كان يشعر فيها ماكرون بالعنف النَّفسي، وذلك قبل الجولة الأخيرة لانتخابات الرئاسة الفرنسية، فلم تكمل الحديث عن الاقتصاد عندما شعرت أنها لا تستطيع الانتقال إلى موضوع آخر، وأنها لا تتجاوز مزجها بين أسماء الشركات، لتأتي إلى رأسها فكرة الهجوم على ماكرون، قائلة: “أرى أنك تتطلع إلى لعب المُدرِّسة والتلميذ معي؛ وهذا يُقلقني منك”، مُشيرة بالطبع إلى حياته مع زوجته.
إن حُبَّ المُراهقة لا يكون حقيقيًّا، صحيح أم لا؟
كارل بيخارديت أستاذ علم النَّفس بجامعة أوستن، تكساس، يقول إن حُبَّ المُراهقين يأتي من حنان أو اهتمام أو رعاية لا يجدونها، وفي اعتقاده وفقًا لما عرض عليه من حالات، فإن حب الثانوية ليس له علاقة بمعناها الكامل، حيث إن العلاقة يجب أن تتضمَّن توافقًا اجتماعيًّا، وصداقةً، وتوافقًا فكريًّا، وانجذابًا جنسيًّا، ورومانسية، وذكاءً عاطفيًّا، وهكذا.
وكل هذه الصفات عندما توجد في نصفك الآخر، فلا تستطيع أن ترى شخصًا غيره، وهذا لا يُوجد في علاقات المُراهقين إلا بنسبة 15% كحد أقصى، حسب اعتقاد كارل.
ويرى كارل أن حُبَّ المُراهقة قابل للتَّغيُّر أكثر من الحُبِّ في فترة الشباب، فمجرد التجربة تسيطر عليه بشكل كامل ولا يرتاح أو يشعر بالطمأنينة إلا برفقه حبيبه، فهذه العلاقة تجعل المشاعر مُختلطة لديه، من الشعور بالسعادة البالغة واليأس، من الشعور بالأمان والخوف من فقد حبيبه، إلى جانب مشاعر الغيرة، والرضا، والتضحية، والثقة، وغيرها.
ونجد أن أكثر المُراهقين يُحبُّون بشدَّة، نتيجة افتقادهم بعض المشاعر التي يكونون في حاجة إليها في تلك الفترة الحرجة، من حنان، وعاطفة، واطمئنان، ولا نجد ذلك في الفتيات اللاتي تمتلكن صديقات لهن وتجمعهن علاقة قويَّة.
ولا يملك جميع المُراهقين نفس القابلية من أجل تبادُل العاطفة أو الحب مع شخص آخر، وخاصة مع أصدقائهم الذكور. ففي فترة الثانوية، يشعر الفتى الذي لقي عرضه رفضًا بالرغبة في الانتقام.
لم يكن ماكرون فتى مُراهقًا
كانت والدة ماكرون طبيبة، ووالده طبيب أعصاب، وكان يتمتَّع بنسبة عالية من الذكاء في مرحلة الدراسة، ولقد تركت جدَّته لأُمِّه أثرًا كبيرًا فيه، فكانت تعمل في مهنة التدريس، وصرَّح ماكرون لمجموعة من الصحفيين بأنها هي من قدَّمت له النموذج اليساري، وخلقت فيه حُبَّه للقراءة والكُتُب.
كان ماكرون في مرحلة المُراهقة، وبعد وصوله إلى سن البلوغ، كثير التعليق على كبار السن بعد الانتهاء من تناول العشاء، سواء مع عائلته أو مُعلِّميه، ولم يكن له علاقة بالفتيات في سنِّه.
كان ماكرون مُختلفًا عن غيره من الفتيان، فكان يتَّخذ من المُعلِّمين أصحابًا له، كان يتناقش معهم دائمًا، فلم يكن فيه صفات المُراهقين، وعلى لسان بريجيت في فيلم وثائقي لـFrance 3 ، أنه كان يقف ندًّا للمُعلِّمين.
ما العُمر الأنسب لشريك حياتك؟
يضع علم النَّفس قاعدةً عامَّةً تُحدِّد العُمر الأنسب للارتباط، العُمر الأدنى والأقصى لشريك حياتك، وتُفيد هذه القاعدة بأن تضاعف عُمرك وتجمع عليه 7، فالناتج هو العُمر الأقصى الذي يجب أن يكون عليه شريك حياتك.
فمثلًا إذا كنت في سن الـ23، فلا يجب أن ترتبط مع امرأة أكبر من 53 عامًا.
وهذا يُوضِّح لنا أن ماكرون لم يضع اعتبارًا لتلك القاعدة، فزوجته أكبر بعامين من السِّن الذي من المُفترض أن تكون عليه لكي تكون مُناسبة له.
فكما ذكرنا أن ماكرون عندما كان في سن الـ15 أُعجب بزوجته الحالية، وبما أنها تفوقه بـ24 عامًا فهذا يعني أنها كانت في الـ39 من عُمرها، أي أكبر بعامين عن السن المُناسب.
ولكن ليس الغريب في ذلك الأمر، بل في الأشخاص الذين ينظرون إلى فجوة العُمر بين شخصين حبيبين، فهناك من يُريدون تطبيق القاعدة السَّابقة؛ لكي ينظر إليهم الناس بنظرة لائقة اجتماعيًّا، بغضِّ النظر عن سعادتهم مع بعضهم البعض، فلا تجعل قاعدة تتحكَّم في حياتك، بل سر وراء عواطفك، وعلى ماكرون وبريجيت أن ينتظرا بعض الوقت لكي يكون مألوفًا ما فعلاه، وربما رئاسته لفرنسا تساعده على ذلك سريعًا.
رأي طبيبة نفسية في زواج تلميذ من مُعلِّمته
لقد تلقَّت باربرا غرينبرغ، دكتور علم النَّفس الإكلينيكي والمتخصصة في علاج المُراهقين، رسالة على بريدها الإلكتروني من مُعلِّمة بالثانوية، تُوضِّح لها فيها أنها تشعر بأن أحد طلابها المُجتهدين مُعجب بها، وأنها تُميِّزه عن بقيَّة الطلاب لاجتهاده وتُساعده في إنجاز مشاريعه والأنشطة المُكلَّف بها، حتى أصبح لا يستطيع أن يُواجه عينيها بعينيه اللتين يُركِّزهما عليها أثناء شرح الدرس، ويهرب بهما عندما تنظر إليه.
فهي لا تُصدِّق أن الطالب الذي كانت تُجهِّز معه لمُسابقاته لا يستطيع أن ينظر إليها، كما أن باربرا شعرت بزيادة غرابة الأمر عندما قالت لها المُدرِّسة إنها تُفكِّر في أن تسرد ما حدث مع ذلك الطالب لزوجها.
فكانت إجابة الطبيبة عليها كالآتي:
ترى باربرا أن الانجذاب الذي يحدث من قِبَل عدد من الفتيان في مرحلة الثانوية تجاه المُعلِّمة هو أمر شائع الحدوث، وقُرب المُدرِّسة لذلك الطالب يجعله يُحبُّها.
فترى باربرا أن ما فعلته المُعلِّمة مع الطالب من قضاء وقت طويل معه لمُساعدته في مشاريعه هو أمر خاطئ، فهي بذلك أزالت الخط الفاصل بين المُعلِّمة والطالب.
ونصحت الطبيبة المُعلِّمة بأن تترك الطالب لشغل مساحته الخاصَّة الفارغة بعدد من أصدقائه، لعلَّ ذلك يُصلح الأمر.
وسألت باربرا المُعلِّمة عمَّا إذا كانت قلقة حول علاقتها مع زوجها، أم حول علاقتها مع الطالب، ونصتحها بأن تكون صريحة مع نفسها حول سببها وراء رغبتها في سرد القصَّة لزوجها، وأن تتَّخذ من هذا الموقف درسًا لها كي لا تُكرِّره.
ليكُن هذا الأمر غريبًا، ولكن قبل قصَّة ماكرون وبريجيت، ولكن بعدها، وبعد أن وصل ماكرون إلى كرسي الرئاسة، فلا غرابة في ذلك.
في نهاية المقال، نرجو أن نكون قد قدَّمنا لكم قصَّة مُمتعةً رُبَّما لم يكُن البعض يعرفها من قبل.